بقلم / د. أيمن نور .. نصف المصريين متهمون

هو الأخطر علي الإطلاق.. ذلك التقرير القديم الذي وقع تحت يديَّ مؤخرًا.. التقرير الصادر عن مركز الإحصاء القضائي بوزارة العدل عن بيانات وأنواع القضايا في مصر وأخطر الأرقام التي لم تستوقف أحدًا ليسأل عن المعني الحقيقي لكل هذا «الانفلات».

التقرير الذي أشرف عليه ربيع عبدالمنعم حسين - مدير عام الإحصاء القضائي بوزارة العدل - كشف أن المحاكم تداولت عام 2004 فقط 15 مليونًا و896 ألفًا و594 قضية.

ولم يخف التقرير أن 13.19% من هذه القضايا لم يفصل فيها، إلا أنه لم يشر إلي أن هناك قرابة 13 مليون قضية فصل فيها ما لا يزيد علي ثمانية آلاف قاضٍ أي أن نصيب القاضي الواحد يتجاوز 1625 قضية!!

كشف التقرير عن بيانات أخري ذات دلالات خطيرة من بينها مثلاً:

أن هناك 461480 قضية كسب غير مشروع وأن هذا العدد من هذه القضايا يمثل زيادة قدرها 7.143% خلال ثماني سنوات فقط لا غير وما لم يشر إليه التقرير أن هذا العدد هو ما تم بالفعل ضبطه عبر إقرارات الذمة المالية للموظفين والذين في العادة هم من الدرجات الدنيا.

ويبقي السؤال عن عدد القضايا التي لم تضبط فعلاً وعن المبالغ التي تتضمنها هذه القضايا المضبوطة وغير المضبوطة؟!

وعن النصب يكشف التقرير أن مصر شهدت تزايدًا متواليًا في أعداد قضايا النصب والنصابين، فالعدد كان سنة 1962 «103106» قضايا ارتفع عام 1976 ليصبح 255544 قضية وبلغ عام 1984رقم 163890 قضية بينما هو في 1997 «524569» قضية ليصل إلي أعلي المعدلات الموجودة في التقرير الأخير لـ 865372 قضية، بزيادة تصل إلي 99% عن الإحصاء السابق!

القضايا الجنائية بلغت وحدها رقم 12 مليونًا و543 ألفًا و813 قضية أمام المحاكم الجنائية ولم يكشف التقرير عن متوسط عدد المتهمين في كل من هذه القضايا!!

ويشير التقرير إلي أن مصر شهدت في التقرير السابق عليه 96 مليون قضية مدنية!

وفي عام 2004 بلغت نسبة قضايا الأحوال الشخصية وحدها مليونًا و510 آلاف و605 قضايا بينما بلغ عدد مخالفات المرور 5.3 مليون قضية.

أما عن نسب الزيادات المرصودة في التقرير خلال السنوات الثمانية الأخيرة كانت كالآتي:

في قضايا الأحداث من الأطفال:

في نصب الأطفال زادت القضايا 648%.

قضايا الأطفال في السكة الحديد زادت 128%.

أما قضايا تشرد الأطفال فزادت 79.78%.

وقضايا البنات والعوانس فزادت 218%.

وقضايا العزاب من الرجال زادت 242%.

والقضايا التي يرتكبها المسلمون زادت 5.30%.

أما قضايا غير المسلمين فزادت 102%.

وزادت قضايا الاغتصاب 66.74%.

وقضايا هتك العرض زادت 22.33%.

وقضايا الشروع في السرقة زادت 64%.

أما قضايا الرشوة التي تم ضبطها فقط فزادت بنسبة 6.59%.

وقضايا تزييف النقود زادت بنسبة 5.116%.

وقضايا الضرب المفضي للموت 3.87%.

أما قضايا الشروع في القتل فكانت النسبة 7.54%.

وقضايا التزوير زادت إلي 90%.

وقد زادت قضايا السكك الحديدية لغير الأحداث وقبل ظهور التوربيني بنسبة قدرها 95.61%.

وزادت السرقات 8.23%.

أما قضايا الاتجار في المخدرات فقد زادت بنسبة 66%.

إذا كانت هذه الأرقام عام 2004 هي الأرقام اليوم في 2010!!

أيَّا كانت الأسباب والذرائع التي يمكن أن يقدمها البعض حول الزيادة السكانية المتهم الأول والأخير في كل شيء في مصر المحروسة، فإننا أمام زيادة مؤهلة تحمل دلالات في غاية الخطورة وبإيجاز نحن أمة في خطر!!

إن الدوافع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وراء مثل هذه الظاهرة هي القادرة دون غيرها من الأرقام والبيانات الحكومية الكاذبة والإنجازات المصنوعة إعلاميًا علي أن تكشف لنا أننا نسير باتجاه للخلف در.

إن الزيادة في الجرائم الاقتصادية هي نتاج الفقر والبطالة التي ترعرعت في هذا الزمان الجميل.

إن الزيادة المؤهلة في جرائم العنف والتي بلغت زيادتها في ثماني سنوات 87% تكشف حجم الغضب المكتوم في صدور الناس، حجم العنف والعنف المضاد.

كذلك تبدو الزيادة المفهومة في جرائم البنات والعوانس والعزاب والتي بلغت في البنات والعوانس 218% وفي العزاب الذكور 242% تكشف أثرًا جديدًا للبطالة واليأس، ولا تنفصل عن زيادة جرائم العزاب والعوانس جرائم الاغتصاب التي زادت 74%.

أما أن تزيد جرائم الأطفال والأحداث لتصل لأكثر من 648% في جرائم نصب الأطفال فهذه جريمة في حد ذاتها.

في زمن الطفل والقراءة للجميع زادت قضايا تشرد الأطفال بنسبة 79.78%.

هل من حق وزير الداخلية أن يزهو بشدة أنه نجح فيما يسميه الأمن السياسي، بينما مصر في هذه السنوات تغرق في الجريمة!!

إننا نسأل الدكتور نظيف ورفاقه: إلي أين أنتم ذاهبون بمصر؟!

إننا نسأل لجنة السياسات ووجوهها اللامعة: كيف ستعبرون بوطن للمستقبل بينما نصف شعبه علي الأقل في أقفاص المحاكم وعلي أبواب السجون؟!

إذا أرادوا أن يقفوا علي الحل.. لابد أن يقفوا أولاً علي المشكلة وهذا قد يحتاج منهم لقضاء بعض الوقت أمام المرآة!!!